العواصف الرقمية وولادة الأخبار الكاذبة

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العواصف الرقمية وولادة الأخبار الكاذبة, اليوم الاثنين 22 ديسمبر 2025 12:01 صباحاً

لو حصرنا الأخبار الكاذبة التي انتشرت عبر التاريخ لوجدنا أنها تجاوزت مئات الآلاف من المعلومات الكاذبة والمغلوطة التي تم العمل على تضخيمها قبيل الحروب، فمن كذبة حصان طروادة التي كانت خدعة عسكرية ادعى الإغريق أنهم تركوا حصانا خشبيا كهدية، بينما كان الجنود مختبئين بداخله لفتح أبواب المدينة، واستخدام جنكيز الجواسيس لنشر إشاعات عن ضخامة جيشه، رغم أنه كان أقل عددا من جيوش خصومه.

الشائعات الرقمية وما يرتبط بها من الأخبار الكاذبة والمعلومات المغلوطة ظهر أول تعريف علمي لها عام 1902 من العالم الألماني ويليام شتيرن الذي لاحظ تغير القصص وتشويهها عبر سلسلة من الجمهور، وعليه فهي ليست مجرد خبر خاطئ؛ بل كائن اجتماعي يولد من احتياجاتنا وأخطائنا، وينمو في ظل غياب الحقائق.

في غالبية العواصف الرقمية ما هي إلا فكرة صغيرة ظهرت في مواقع ذات مصداقية منخفضة، ومتخصصة في توليد المعلومات المغلوطة والأخبار الكاذبة وتتضمن معلومات فيها جزء من الحقيقة، لكن السمة الغالبة التي تعمل على شحنها سلسلة من التصريحات والمنقولات غير الدقيقة، وفي كثير من الأحيان غيرة واقعية تحمل في داخلها بذرة توسع وتتحول مع الانتشار إلى كرة معلوماتية وإخبارية متضخمة يسمع بها مستخدمو العالم الرقمي.

تتسلل المعلومات المغلوطة والأخبار الكاذبة بفعل الحاجة البشرية للمعلومة وخاصة في أوقات الأزمات، فحين تغيب الحقيقة ويعم الصمت، تظهر الأخبار الكاذبة كبديل ملموس لدى الجمهور عند غياب المعلومات الحقيقية من المصادر الموثوقة.

وتتضمن المساحات الإخبارية كمية وافرة من الكذب الممنهج الذي يمكن كشفة عند تشغيل مدركات التفكير النقدي الأساسية ومن ثم الإجابة عن أسئلة من نوع: متى، كيف، أين، من الجهة المستفيدة، ومتى حدث الأمر.

وفي ظل ملاحقة العاجل والترند يغيب التفكير النقدي ليحل بدلا منه القبول المطلق بالمنشور دون تحقق، ولهذا فالعاجل الإخباري ما هو إلا شكل من أشكال التضليل المعلوماتي ما لم يصحبه حديث موثوق أو تصريح رسمي من الجهة أو الفرد صاحب العلاقة، ومع الانتشار والتداول تصبح الشائعة حقيقة، فقد حققت الانتشار وللأسف لا يلتفت الجمهور إلى التكذيب أو نقد الشائعة فهي في الغالب لم تنل نصيبها من الانتشار والتفاعل.

وهنا تشكل البيئة الرقمية بيئة خصبة لانتشار المعلومات المغلوطة والأخبار الكاذبة مستغلة الفراغ المعلوماتي والإحساس العالي بالخطر، وهذان العاملان هما البذرتان الخصبتان لانتشار المعلومات المغلوطة والأخبار الكاذبة ويعمل على نموها طبيعة المنصات الاجتماعية والرغبة في التواجد الرقمي، والتي تفهم ما يتفاعل معه الجمهور، ويبدأ التضخيم من المشاركات الجماعية وما يرافقها بالطبع من تعليقات التخوين والغضب والقبول والرفض والانتشار الواسع البشري والآلي.

وخلاصة القول، في مسار المعلومات المغلوطة وانتشار الأخبار الكاذبة تنتشر التحليلات السريعة وكل من مر عليها يضيف لمسته، منهم من يساهم في تحقيق الانتشار من خلال التفاعل، ومنهم من يضيف مبالغة، أو تفصيلا صغيرا، أو تفسيرا، ومع الوقت تبدو المعلومات المغلوطة والأخبار الكاذبة أكثر اتساقا، ومع النشر المتكرر يدخل الإعلام التقليدي للتفسير، وهو مشارك في النشر دون أن يدرك، والمغلوب على أمره الجمهور المنقسم ما بين مصدق ومكذب، وتزداد صعوبة إعادة المعلومات المغلوطة والأخبار الكاذبة إلى حجمها الأصلي بعد انتشارها، فقد اتسع صداها وجابت العالم الافتراضي بكامله.

أخبار ذات صلة

0 تعليق