نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بروكا وفيرنيك وأولو الألباب, اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025 03:51 صباحاً
لا يزال الدماغ البشري يمنحنا قوة الإعجاز الرباني في التشريح الإنساني باعتباره أحد أعقد الألغاز العلمية، خصوصا فيما يتعلق بكيفية فهم اللغة وتفكيكها واستيعابها وتفسير القصص وكيفية تلقيها والمعلومات وآليات تفنيدها، وقد أسهم اكتشاف منطقتين أساسيتين في المخ، هما «بروكا» و«فيرنيك»، في رسم صورة أوضح لآليات الإدراك اللغوي وكيفية تفاعل الإنسان مع السرد القصصي.
يمكن تعريف منطقة بروكا بأنها المصنع المولد للغة والتي توجد بمنطقة الفص الجبهي اليسرى في المخ، والتي اكتشفها الجراح الفرنسي «بول بروكا» عام 1861 حين لاحظ أن تلفها يؤدي لصعوبة إنتاج الكلام وحدوث الحبسة رغم بقاء القدرة على الفهم، وتتركز وظائف هذه المنطقة على تكوين الجمل وتنظيم قواعد النحو، إضافة إلى التخطيط الحركي للنطق عبر إرسال إشارات دقيقة للحنجرة واللسان والشفتين، ولا تقتصر مهمتها على اللغة المنطوقة فحسب، بل تشارك أيضا في معالجة اللغة المكتوبة ولغات الإشارة، باعتبارها الرابط الأساسي الذي يحول الأفكار إلى كلمات.
أما منطقة فيرنيك، اكتشفها الطبيب الألماني «كارل فيرنيك» عام 1874، والتي تعمل كمركز للفهم اللغوي الذي يعطي الدماغ تفسيرا للمعاني وفهم اللغة المنطوقة والمكتوبة، وربط الكلمات بالصور الذهنية والسياق العام، ومن ثم إرسال هذه المعلومات إلى منطقة بروكا لتنسيق الاستجابات اللفظية المناسبة.
وعند قراءة نص أو الاستماع لقصة، يعمل الدماغ عبر شبكة متداخلة من التعقيد؛ بسبب أن المناطق السمعية والبصرية تمثل المحطة الأولى لاستقبال وتحويل الإشارات الحسية لمعلومات قابلة للمعالجة. ثم تتولى منطقة فيرنيك تفسير المعنى، بينما تقوم منطقة بروكا بصياغة الرد وبناء الحوار الداخلي، لكن الدماغ لا يعالج كل المعلومات بالدرجة نفسها؛ فاللوزة الدماغية Amygdala تحدد جزئية المشاعر، والقشرة الجبهية ترتب الأولويات، بينما يقوم هرمون الدوبامين بتنظيم الانتباه والدافعية، ولهذا غالبا ما نتذكر القصص المؤثرة أكثر من التفاصيل العادية.
وفي كيفية نشوء السرد القصصي وآلية التداعي الحر، تساءل المتخصص في علم الأعصاب «بول زاك»: لماذا يحب دماغك القصص الجيدة؟ وتوصل إلى أن سرد القصة المحكم يحفز الدماغ لإفراز مواد كيميائية تؤثر في سلوكياتنا؛ مثل هرمون الاوكسيتوسين يعزز التعاطف، وهرمون الكورتيزول يرفع مستوى الانتباه عند وجود التشويق، بينما يمنح هرمون الدوبامين إحساس المتعة ويجعل القصة أكثر رسوخا بالذاكرة.
كما أن علم النفس المعرفي يختص بالعمليات العقلية العليا ويدرس كيفية اكتساب وتخزين المعلومات من خلال الذاكرة القصصية التي تعمل كهياكل طبيعية لمعالجة هذه المعلومات، حيث توفر تسلسلا منطقيا يسهل فهم العلاقات السببية بينها، الأمر الذي يجعل من القصص منشطة لمناطق متعددة في الدماغ، من مراكز اللغة والعاطفة إلى الحواس والذاكرة، مما يجعل التجربة القصصية ذات تأثير وتغيير. وقد أشار القرآن الكريم للقيمة القصصية في بناء الخبرة والعبرة البشرية بسورة يوسف الآية 111 بقوله تعالى «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون».
فالقصص القرآنية ليست مجرد حكايات تروى، بل منهج تربوي متكامل يعمل على تهذيب السلوك وتعزيز الفهم وإحداث الهداية وإنزال الرحمة التي تبدأ من مستقبلات العقول للبنية اللغوية في الدماغ وديناميكية السرد الذي يساعدنا على إدراك عمق التواصل الإنساني، من خلال الحبكة القصصية، فتبارك الله أحسن الخالقين.
Yos123Omar@


















0 تعليق