نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل أصبحت الإجازة الصيفية «عقوبة» على الأسرة؟, اليوم الأحد 27 يوليو 2025 11:37 مساءً
قد تضيق الخيارات أمام الكثير من الأسر والعائلات في كيفية قضاء الإجازة الصيفية والاستمتاع بها، أمام محدودية الأماكن بسبب الظروف المناخية القاسية خلال فترة الصيف، وأمام ضغوطات الأبناء المتزايدة على الآباء والأمهات، وقلة الفعاليات والأنشطة المناسبة لكل أفراد الأسرة، والتي من المفترض أن تكون قريبة منهم وداخل الأحياء السكنية، بضوابط أمنية وتربوية عالية، وتجهيزات واستعدادات تقاوم هذه الأجواء الصعبة، وتناسب الأعمار كافة، وتكون نقطة جذب لاستمتاع الأفراد كافة، وخاصة الأبناء، في أجواء منضبطة وراقية ومكيفة، وضمن فعاليات الصيف للأحياء السكنية وقاطنيها.
وتجابه هذه الفعاليات الانجراف الشديد الذي سرق القلوب قبل العقول، من أجهزة الجوال وتطبيقات الفيديو القصيرة وألعاب الفيديو المبهرة، والتي بكل أسف خطفت أبناءنا من بين أيدينا، فهل نستطيع إعادتهم إلينا، وللحياة مرة أخرى؟
ومما زاد الطين بلة، المثاليات والنصائح التي تنهمر علينا بداية كل إجازة صيفية من بعض المختصين أو المجتهدين، الذين يدّعون النصح والمفهومية في مواقع التواصل الاجتماعي أو البرامج الحوارية، عن الأبناء والأسرة وطرق التعامل المثالية مع الصيف والإجازة، وعمل جداول معقدة وبرامج من كوكب المريخ.. عفوا، كلها «خرابيط» وكأنهم يتحدثون من «برج عاجي»، بعيدة كل البعد عن الواقع، وغير قابلة للتنفيذ، والطرح نفسه من عشرات السنين، لم يطبقه أحد، ولم ينجح مع أحد. فلا أحد يضحك عليك.
ولقد ولدت فجوة كبيرة بين الآباء وأبنائهم، لأن هذه الطروحات لم تراعِ حقيقة الحياة اليومية للأسرة، ولا ضغوطات العمل لدى الوالدين، أو ظروفهم الاقتصادية في القدرة على السفر من عدمه، ولا اختلاف الطباع والاحتياجات، ولا ظروف الطقس القاسية خلال فصل الصيف لدينا.
وليس صحيحا، لا علميا ولا نفسيا ولا تربويا، المطالبة بعودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة بأي شكل من الأشكال: لا دورة تدريبية ولا حاسوبية ولا لغوية ولا صيفية. الإجازة إجازة، والدراسة دراسة.
لقد أصبح الوضع صعبا أمام التحديات المكانية التي بدأت تنحصر في المولات والمطاعم والأماكن المكيفة فقط، وذات تكاليف عالية، ولا حتى الفروقات بين البيوت في إمكانياتها وقدرتها على تكلفة المواصلات وواقعها الاجتماعي.
ما يطرح غالبا هو «كليشيهات» مستوردة من كتب تنموية نمطية، أو من بيئات تدعي المثالية لا تشبه بيئتنا، أو تقليد لمن سبقهم ولكنهم يفتقدون للوعي النفسي والاجتماعي في محاولة لتطبيق هذه الجداول والبرامج. حتى ما يلبثوا إلا أن ينهار كل شيء من اليوم الأول، وتبدأ المشاحنات بدل المتعة، ويشعر الطرفان - الآباء والأبناء - بأنهم فشلوا، والسبب أنهم حاولوا تطبيق مثاليات غير واقعية، في غير زمانها ولا مكانها.
الحقيقة التي يجب أن نواجهها أن الإجازة الصيفية ليست مشروعا إنتاجيا، ولا دورة تدريبية، ولا عودة إلى مقاعد تشبه مقاعد الدراسة، ولا برنامجا تلفزيونيا مليئا بالاستعراض والقدرة الكلامية المنمقة، وطرح فلسفات ومفهوميات ومواعظ على الناس واستغفالهم.
الصيف ببساطة هو وقت للراحة، للتنفس، لاستعادة العلاقة المتهالكة بين أفراد الأسرة وترميمها، للسفر أحيانا أو للكسل أحيانا أخرى، الموضوع لا يحتاج إلى «اختراع صاروخ»، بقدر ما يحتاج إلى مرونة وتعاون، وإشاعة روح الفرح والفكاهة في بناء لحظات دافئة، وصناعة ذكريات جميلة تعيش فينا ونعيش معها، وتزودنا بطاقات من الصبر والسكينة في أوقات الشدائد والعمل الجاد، لا أن تتحول إلى عبء إضافي على الوالدين أو الأبناء.
نحتاج أن نتوقف عن استيراد النظريات التربوية الجاهزة، ونبدأ بصناعة أوقاتنا السعيدة الخاصة بثقافتنا وبيئتنا، وتناسب صيفنا، في ظل هذه الظروف المناخية القاسية والتحديات الكبيرة التي تواجهها الأسر.
نحتاج أن نعترف أن البساطة أحيانا هي أقرب الطرق للسعادة، وأن اللعب مع الأبناء، والسهر معهم، وتبادل أطراف الأحاديث، وقضاء أوقات مليئة بالفرح والسعادة، وابتكار أنشطة وفعاليات ولو بسيطة وعشوائية، قد تكون أصدق وأجمل مليون مرة من أي ترهات تُصدر لنا، أو يرسمها المنظرون.
وأقترح هنا أن تتكاتف الجهات المعنية ذات العلاقة، من وزارة الشؤون البلدية، ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وهيئة الترفيه وغيرها، في إعداد برامج وفعاليات صيفية، وتهيئة الحدائق والمراكز، وخلق أجواء عائلية في الأحياء السكنية وغيرها، تكون اقتصادية، وقادرة على مواجهة التحديات المناخية القاسية وصيفنا الحار، وتناسب شرائح المجتمع كافة، ورغباتهم الرياضية والثقافية والاجتماعية، وتدعم الأسر المنتجة والشباب والمرأة والأبناء، وتزيد من الخيارات والفرص أمام الأسر لقضاء إجازة صيفية ممتعة وميسورة.